محنة الأقليات في المشرق العربي !!
إبّان الخلافة الاسلامية و الامبراطورية العثمانية !!
اولا ً / المقدمة :
ان ظاهرة الأقليات في الشرق الأوسط أمر دَهّري، لم تنشأ اكثرية، من اي نوع كان، استطاعت ان تصهر، او تمتص، او تذِّوب، او تزيل، الأقليات المتواجدة في هذه المنطقة !!
وإذا نظرنا عبر التاريخ نرى ان المشرق العربي زهت فيه ديانات وملّل ومعتقدات قبل الأديان السماوية ( اليهودية، المسيحية والإسلام ) وقد ذكرت في مدونتي عنهم ( الأحناف والحنفية والصابئة المندائيون، تراجع المدونة )، وقد بقيت الصابئة حتى يومنا هذا، وبذلك يمكن اعتبارها اول أقلية ظهرت بعد الأديان السماوية وبها، بدأت مشكلة اسمها الأقليات الدينية !!!
والامر الذي يلفتك، ان بعض الاقلام الدينية والدنيوية حتى داخل الكنيسة المسيحية، يطيب لهم استعمال تعبير الأقليات المسيحية في المشرق العربي، وقد تردد لمسامعنا في الآونة الاخيرة عن لسان الأحبار ورجال السياسة هذا التعبير ( الأقليات المسيحية في المشرق العربي ) والذي لا يقارب الحقيقة قيد انملة، لانه مثيل للقول، ان هناك اقليات مسلمة في الغرب !!
وإذا رجعنا الى اللغة العربية، والى المصطلحات الفقهية، فانه لا يمكن اعتبار رعايا الأديان السماوية الثلاثة، أينما وجدوا في عداد الاقليات الدينية، لان ذلك بحٌد ذاته اشكالية بغنّى عنها !!
ويمكن ملاحظة، ان مشكلة الأقليات الدينية في الشرق الأوسط ظهرت فجأة، وبقوة وبعنف وبسفك دماء وتهجير وقتل وسبّي وهتك أعراض وتدمير امام أعين العالم المتحضّر من قِبَل الدولة الاسلامية الباسطة سلطانها وسطوتها على اجزاء كبيرة من العراق وسوريا !!
وقف، العالم الذي يدّعي انه متحّضر يشاهد محنة الأقليات الآيزايدية في العراق حيث جري غزو قراهم وتدمير معابدهم وهتك اعراضهم وسبّي وبيع نسائهن كالجوارى، كما كان يتم في عصور ما قبل التاريخ، وأُسر رجالهم وخُرِّبت بيوتهم !!
واليوم، ما زالت محنة الأقليات الكردية في العراق وسوريا تشهد فصولا ايضا ً وايضاً امام الجيران الذين لهم باع طويل في الإبادة الجماعية والتهجير القسري على أساس تطهير عرقي، والدول الغربية التي تُعّدُ متحّضرة، تشاهد وتوّثق الانتهاكات نفعا ً لكتب التاريخ، ليس إلاّ، وكأن سُبحة تفتيت وتشتيت الأقليات الدينية الاخرى الباقية، قد بدأت فصولها، تُكتب، ورياحها العاتية تهّب، وامواجها الهائجة تُحضّر، وهذا سيأتي بحثه لاحقا ً !!
ثانيا ً / تعريف لكلمة اقليات ... لغويا ً ودينيا ً !!
الأقليات هي جماعة تربطها اواصر القرابة والاصل باللّغة، والدين، والوطن، تعيش وسط شعب يفوقها عددا ً !!
والأقليات الدينية تعيش مع طائفة اخرى اعظم شانا ً وتفوقها عددا ً وتخالفها في خصائص ومميزات عرقية ودينية !!
ثالثا ً / الأقليات حسب المواثيق الدولية !!
أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار رقم ١٣٥/٤٧ تاريخ ١٨ / ١٢ / ١٩٩٢ الوثيقة الوحيدة التي تناولت حقوق الأقليات الدينية بحيث تضّمنت حقوق الأشخاص المنتمين الى اقليات دينية ولغوية في الحفاظ على هويتهم القومية والإثنية والثقافية والدينية !!
وقد توّسع القرار في تعداد الحقوق ( يراجع القرار أعلاه ) !
وأضاف واجبات على الدول التي يعيش في كنفها الأقليات أهمها الحماية وتعزيز ممارسة الحقوق !!
رابعا ً / الأقليات عبر التاريخ :
يُعتبر الشرق الأوسط بانه يجمع الاثنيات والأجناس والألسنة والامم والعقائد والنظريات ، وقد وجدت اقليات دينية قبل الاسلام في المشرق العربي، وحتى بعده، ولم يتمكن في التاريخ اي غازٍ او فاتح من خارج المنطقة او من داخلها ان يتغّلب على ظاهرة الأقليات وبقيت صامدة، معاندة، متشبثة، ومحافظة على قيمّها وتراثها، في وجه كل فاتح وكل عهد، وقد مالت في بعض الأحيان وغُلب على امرها، في احيان اخرى وكُتمت انفاسها، وقُهرت آمالها، وسُلبت حرياتها، ولكنها رفضت ان تنقرض !!
الأقليات اثناء سيادة، الإمبراطوريات البابلية، والفارسية والرومان والبزنطينيين ثم العرب المسلمون والإمبراطورية العثمانية، كل هذه القوى جابهت الأقليات، فإما تركتها وشأنها من دون ان تصارعها او حين صارعتها لم تتمكن من حذفها من الوجود، او حين قصدت إبادتها ونجحت مثل الإمبراطورية العثمانية وبعدها تركيا اليوم !!!
خامسا ً / الأقليات في ظل الخلافة العربية الاسلامية ( الراشدية والأموية والعباسية ) !!
لم يأتِ التاريخ على ذكر ان الخلافة العربية الاسلامية قد حاربت وقاتلت الأقليات التي كانت سابقة للدعوة النبوية المحمدية الاسلامية، بدليل ان الصابئة او المندائيون هم فئة من الناس ظهرت قبل الاسلام، وبقيوا على ، عقيدتهم وأماكن تواجدهم ... ومارسوا طقوسهم، بعد الاسلام، في العراق حتى الامس القريب، كذلك يمكن ان يسري هذا القول على الاشوريين والكلدانيين والسريان !!!
ولم، يكن الدين الاسلامي من خلال دعوته ينوي او يقصد القضاء على المعتقدات السماوية التي سبقته كالدين المسيحي او الدين اليهودي، واكبر دليل على ذلك قصص الأنبياء التى ورد ذكرها في القرآن الكريم، ولكن العداء الشرس الذي اضمره اليهود للدعوة الجديدة، سواء علنا ً او خفية ً هو الذي حدا الرسول العربي بمحاربتهم !!
اما، المسيحيون العرب ( آشوريين، كلدانيين، وسريان )، لم يلقوا من ارباب الدعوة الاسلامية اي تصرف يُظهر العداء تجاههم، او مقاتلتهم، لا بل ترى اثناء الخلافة الأموية وبعدها الخلافة العباسية، ان مكانة مرموقة وعالية جدا ً وصل اليها المسيحيون العرب، بالاضافة انهم توّلوا ارفع المناصب الإدارية والاقتصادية والثقافية والعلمية في دواوين الخلفاء !!
وقد أتى التاريخ على ذكر ان المسيحية العربية في ظل الخلافتين الأموية والعباسية كانت منظمة تنظيما ً جيدا ً ومحاطة باكليروس كثيف، ساعدها على ذلك ما تميز به سلوك الدولة الاسلامية من تسامح تجاهها على رغم بعض فترات التطرّف الذي مارسه اتباع المذهب الشافعي !!!
سادسا ً / في ظل الإمبراطورية العثمانية، تاريخ حافل بالمذابح ضد الأقليات الدينية !!!
في الفقرة هذه، سأبحث في الاضطهاد الذي مارسته الامبراطورية العثمانية على المسيحيين بصورة عامة !!
سيكون مدار بحثي عن محنة الاشوريين :
تبدأ فصول محنة الاشوريين اعتبارا ً من قضية دير القديس غابرييل في تركيا الذي تأسس في العام ٣٩٧ بعد الميلاد، حيث يعّد الدير من اقدم المراكز الدينية والثقافية وأكثرها أهمية عند رالاشوريين، ومستقبل هذا الدير مهدد تماما ً اعتبارا ً من العام ٢٠٠٤ م !!!
الآشوريون، كانوا من قبل أمة قوية وكبيرة يبلغ عددها مليون نسمة تعيش في تركيا وكانوا روادا ً منذ ما قبل ٢٤٠٠ سنة قبل الميلاد في الطب والقانون والفلك، عددهم اليوم في تركيا ٥٠٠٠ نسمة، وكان المسيحيون قبل الحرب العالمية الاولى يشكلون ( ٣٣ ) في المائة من سكان تركيا، ولكنهم اليوم أصبحوا يمثِّلوا (o.1 ) بالمائة، نتيجة المذابح الجماعية أهمها ( رافييل لمكن ) والهجرة الإجبارية !!
تلي، هذه المذابح الابادية مذبحة الأقلية الأرمنية، وهي أشد ضراوة من مذابح الاشوريين والكلدان والسريان !!
في كتابه عن المذبحة الأرمنية ريقول ( Richard Hofansian ) انه بالفترة ما بين ١٨٩٥ حتى ١٩٢٥ تمّ ذبح حوالي ٨٠٢٩٤٧ آشوري في تركيا !!
ويلاحظ وجود حظر على الحديث عن المذابح في ظل الإمبراطورية العثمانية ومن بعدها تركيا، واعتبار الأفعال الشائنة هذه من قبيل محاربة التمّرد، وأن أفراد هذه الاقليات، يستحقون العقاب، لانها حرب أهلية واضطرابات !!
في سنة ١٩١٦ تمّ رفع تقرير الى مستشار الامبراطورية الألمانية ان الاشوريين في شرق الامبراطورية العثمانية أُبيدوا !!
اما الأكراد، فان الإمبراطورية العثمانية استعانت بهم لمهاجمة وذبح الاشوريين والكلدان والسريان والأرمن !!
بالعام ٢٠٠٩، اعترف رئيس الدولة التركية اليوم رجب طيب اردوغان بان حوادث التطهير العرقي التي ارتكبتها الحكومات التركية السابقة كانت افعال فاشية ... الخ !!
لذلك، لكي نعرف عن المحنة الكردية اليوم، يجب ان نعود الى التاريخ الحديث لتركيا !!
بدأت فعليا ً محنة الأقلية الكردية في تركيا اعتبارا ً من العام ١٩٢٥ ويبلغ عدد سُكَّان الأكراد حوالي ١٢ مليون معظمهم في جنوب تركيا !!
بالاضافة الى الأقلية الكردية، هناك الأقلية العلوّية، التي تشّكل مع الأقلية الكردية، الهاجس الأكبر لتركيا اليوم، وكان سبق للإمبراطورية العثمانية ان عالجت المسالة الأرمنية بالحديد والنار والقتل والذبح والإبادة والتطهير العرقي، ولكن الذي يفّرق بين هذه المسائل العويصة الثلاث عامل الدين !!
فلا، يغرب عن البال ان الأرمن ينتمون الى الديانة المسيحية، اما الأكراد والعلويين ينتمون الي الديانة الاسلامية، وهذا بحد ذاته يشكّل غضّ الطرّف الدولي الغربي المسيحي عن عمّا يجري الان بحق الأكراد في سوريا !!
وإذا ما نظرنا الى التقاطع الدولي المريب المبني على المصلحة المشتركة ما بين تركيا والنظام السوري منذ الرئيس حافظ الأسد، في نظرتهما تجاه الأقلية الكردية، تواجهك صفحات مكتوبة ومدّونة ظَهرت الى العلن منذ تسليم سوريا الشخصية الكردية اوجّلان الى تركيا في أواخر القرن الماضي !!
ان ما يحدث للأكراد اليوم في قرية كوباني الحدودية ( تركيا / سوريا ) هو ما يؤشر صراحة وعلنا ً وجهارا ً ان مسألة تفتيت الأقليات بدأت فصولها السوداء !!
بأواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، استعانت الامبراطورية العثمانية بالاكراد لتصفية الأقليات المسيحية، واليوم تستعين تركيا بالدولة الاسلامية للقضاء وتهجير وابادة الأقلية الكردية !!!
بالماضي، هبّ المجتمع المسيحي، لنجدة نكبة الأرمن !!
وأُعطيت لهم دولة في أواسط اسيا اسمها ارمينيا !!!
اليوم، هل سيّهب المجتمع الاسلامي، لنجدة نكبة ومحنة الأكراد، في سوريا والعراق ؟؟
التاريخ وحده الكفيل لتبيان المخفي، في جو عابق من التقاطعات الإقليمية والدولية المريبة، المبني على المصالح المشتركة التي تقشّعر منها الابدان، لان فيها تقطيع للاوصال وذبح ودم تهابه حتى الأصنام، وترتجف منه الأوثان !!
أعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
تشرين اول ٢٠١٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق