Pages

الجمعة، 3 أكتوبر 2014

رسالة الى قرائي الأعزاء، بعد طول غياب !!

الى القّراء الأعزاء !!

تساءل الأصدقاء لماذا توقفت عن الكتابة خلال شهر أيلول باكمله، بعد ان تطرّقت في مدوّنتي الى موضوعات مهمه في  شهر أب مثل محنة الأديان السماوية، واحلام الإمبراطوريات القديمة ( الفرس والاتراك )  والمستجدة  ( الخلافة الاسلامية ) في صحوة جديدة، وغيرها من الأسرار التاريخية !!!

وتلقيت عتابا ً من البعض أني لم أعد ادخل صفحاتهم، ولم أشارك حتى بتعليق !!



خلال شهر أيلول، قمت بتحضير دراسة تاريخية، وتعّمقت في تاريخ  الولايات الأميركية، خاصة اعلان الاستقلال عن بريطانيا العظمى، بالعام ١٧٧٦ م. الذي كتبه المحامي توماس جفرسون، كذلك الوثيقة الدستورية التي بدأت بثلاث كلمات. ( we the people ) التي أعلنت بالعام ١٧٨٧م.  والتي  تظهر عظمة ورقي الديموقراطية في العالم الجديد !!

 كذلك رغبت في ان إسبر غور أسباب الهجرات المتتالية الى العالم الجديد قبل الاستقلال بردح من الزمن، خلاف ما يقال عن استعمار جديد، وغيرها من أمور اقتصادية كانت تتخبط فيها أوروبا في ذاك الوقت !! اعني بذلك دور الأديان السماوية في الهجرات البشرية، سواء من الناحية السلبية او الإيجابية  !!

اليوم، وبعد ان انجزت إبحاري، أعود أدراجي الى قلمي، ولا اخفاكم الامر ان هناك موضوعين يشداني، الاول يقززني ويغضبني الا وهو محنة الشعب اللبناني بحكّامه  منذ الاستقلال، وظاهرة قطع الطرقات، التي تفاقمت في الآونة الاخيرة، لانها اضافت على الشعب عادة  قطع الارزاق التي برع فيها الحكّام  والأزلام، 
والموضوع الثاني الذي  يشدّني  ويؤرقني ويسلب الراحة من البال، ألا وهو محنة الدين الاسلامي !!

وبما ان هاتين المحنتين لم  تكتمل فصولهما بعد !! لان التلازم فيما بينهما عميق ومتجّذر، لذلك سأبدأ في الكلام عن محنة الدين الاسلامي !! على ان اعود لاحقا ً لبحث محنة الشعب اللبناني !!

 وسيلاحظ القارئ الكريم، باني  سأذكر الشرارة التي أدّت الى المحنه ولا أعدّد اسبابها، أما النتائج لهذه الشرارة ( حدّث  ولا حرج ) من كوارث وويلات على الأمة الاسلامية !! يعرفها القارئ العزيز لانه يعيش على وقع مآساتها !!

أرى لزاما ً ان، ألقي ضوء ً على الشرارة الاولى، والتي تلتها حرائق وكوارث، بدء ً من مصرع الخليفة الراشدي  عثمان بن عفّان، الذي ما زال قميصه المدّرج بالدم أمثولة حتى  يومنا هذا، يوازيه الخلاف المدوّي في بنيان الدين الاسلامي وما زال   بين الخليفة الراشدي  علي بن ابي طالب  ومعاويه ابن ابي سفيان !!

 وتتكرر المآساة سنويا ً دون هوادة لا بل التذكير يكون بقساوة،  حتى تلتصق بالاذهان والعقول وكأنها عقيدة ثابتة راسخة  واحتفالية، لا جدال او نقاش فيها حتى يوم الدين !!

وقد اعتبر بعض فلاسفة الغرب المتخصصين بالدين الاسلامي، ان التجديد الذي احدثه فقهاء الدين الاسلامي  العرب المتواجدون  بالأندلس، منطلقين من القاعدة الفقهية الذهبية ( لا يُنكر تغيير  الأحكام، بتغّير الازمان ) قد اندثر لاحقا ً بعد وقت قصير ( لأسباب عديدة ) وانه بالتالي  عجّل في اخماد الصحوة الاسلامية، المتمثّلة بالتجديد، وإعطاء حيّز للعقل في التفسير، ولو بدأ خجولا ً اول الامر، وخيّمت المرارة  وزاد في العزلة والانعكاف والتردد الهزيمة المدّوية في الأندلس. 

ولكن،  حركة التجديد بالأندلس، وإن لم تدم طويلا ً، الا انها أشعلت  بالمقابل  ناراً متقٌدة متأججة في  انبعاث المبادئ المسيحية المتجددة بعد سبات عميق طوال  القرون الوسطى، وذلك تحت تأثير قوي من الرقي الديني والفلسفي في الأندلس في ذاك الزمن،  ( وقد اتيت على ذكر محنة الدين المسيحي في وقت سابق في مدونتي !!! يمكن للقارئ العزيز مراجعتها !!) 

اما في فترات لاحقة، وفي كنف الخلافة العباسية التي بدأت بالتفكك والضعف بعد العام ٨٧٣ م.  وما تلاها، ظهرت أفكار غريبة تبنّاها القرامطة والحشاشون وقد عاثوا ً فسادا ً في صلب العقيدة الاسلامية !! ( يراجع اثر القرامطة والحشاشون على العقيدة ) حتى ان الحجر الأسود انتزعه القرامطة من الكعبة، ولم يتوّسع  فقهاء الدين الاسلامي في ذكر ان الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله هو الذي أعاد الحجر الأسود الى مكة بعد ان هدّد ابو طاهر القرمطي بان يرّد الحجر الأسود وان يرّد أموال أهل مكة التي سرقها، وإلا فانه سيأتيه بجيش لا قِبَل له بهم، وقد أذعن القرامطة للتهديد وعاد موسم الحج بعد تعطيله ٢٢ سنة !!
وقد اعتبر بعض مؤرخي الغرب ان سبب عدم إعطاء الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله هذا الفضل يعود الى ان الفقهاء المسلمين، سلّطوا جام غضبهم على هذا الخليفة الذي جاهر علانية ان العقل والتجديد عنصران متلازمان لخلاص الأمة الاسلامية في عصر استفاقت فيه الديانات السماوية الاخرى  من ظلام قاتل، فضلا عن ذلك  لا يرغب الفقهاء المسلمون في ذاك العصر في منح التكريم  لخليفة يؤمن بالتجديد وإعطاء العقل منزلة في التفسير !! ( هذا خارج نطاق البحث الان ) !!

 وفي سقطة تاريخية معيبة،  هلّل بعض فقهاء الدين الاسلامي، ان الصحوة الحقيقية للدين  بعد سقوط بغداد واندثار الخلافة الاسلامية، كان بظهور وانبعاث الخلافة العثمانية، التي بنظرهم جاءت رديفا ً للخلافة الاسلامية العربية !!  وان  شوكة الدين الاسلامي وعظمته  قويت وأرخت بظلالها حتى الى أوروبا المسيحية وذلك بفضل توّسع  الامبراطورية العثمانية !!

وقد فات هؤلاء الفقهاء ان قرون الجهل والانحدار والانحطاط والاستعمار المهين  حطّت رحالها على العرب ( مسلمين ومسيحيين ) ايام الحكم العثماني البغيض، حيث تمّ  وئد الحريات، وأجهضت القومية العربية الاسلامية  على يد الخليفة الهمايوني الرابض في الآستانة !! وجرى القضاء على اي حركة اصلاحية لتجديد العقيدة الاسلامية وفق مقتضيات العصر، لان من مصلحة العثمانيين ابقاء العرب المسلمون جهّلة  في الدين والدنيا حتى يسهل عليهم بسط سلطانهم واستبدادهم وازدرائهم للشعب العربي،  وان القول ان الصحوة والتجديد في الدين الاسلامي كان منتعشا ً ومزدهرا ً ايام العثمانيين هو كلام في غير محله، لانه يجافي حقيقة التاريخ. ( يراجع في مدونتي دراستي عن سر العلاقة ما بين اليهود والإمبراطورية العثمانية ) !!
وفي اصطلاح أطلقته على بعض مؤرخي العرب ( مؤرخو المصاطب ) عندما  اقرأ لهم ينتابني شعور بالقرف والازدراء !! للخفّة المعتمدة لديهم بتزوير الحقائق التاريخية !!

اما حركات التجديد في أوائل القرن الماضي على يد الشيخ محمد عبده وابن طرابلس الشيخ محمد رشيد رضا المتوفي بالعام ١٩٣٥ م.  كانت خجولة لم تدم بفعل  فقهاء متشددين، لانها كانت أفكار تدعو الى تنظيم المجتمع الاسلامي العربي على أساس ديموقراطي والتوفيق ما بين الاسلام وروح العصر الحديث !!

اما جهابذة التنظير اليوم  وعباقرة التضليل  في اجتراح واختراع الأسباب التي آلت اليها الأمور  وأدّت الى ان يربض على الأبواب ما يسمى  ( الخلافة الاسلامية )  يساعدهم في ذلك رجال الدين الاسلامي، الذين أشاروا  الى ان طبائع الاستبداد التى رسمها وطبقّها  حكّام العرب منذ ان أرخت اتفاقية سايكس بيكو خرائطها على حدود العرب اوطاني، قد  اعتبروا ان هذه المناخ الاستبدادي، أدى ألى إيجاد حاضنة ترعرع في أحضانها الأفكار المتشددة وخلقت هذا الحلم بالخلافة الاسلامية !!

وقد تعمّد  هؤلاء الجهابذة ان يذكروا  ألأسباب غير المباشرة لظهور وبروز فكرة الخلافة الاسلامية في عقول البعض، ولكنهم تجنبوا ذكر  السبب الرئيسي والمباشر عن قصد او غير قصد آلا وهو  ان عدم التجديد والتطوّر  والتفسير الصحيح  وفق العقل والمنطق  للعصر،  هو الذي أدى الى ظهور منحى يعيد الاسلام الى الوراء على  يد هذه الفئة، بدلا من ان يتم احراز تقدم لمواكبة العصر الحديث !!

وقد اعتبر المفكرون في الغرب، يؤيدهم بعض الفقهاء العرب الأحرار، ان كتم  انفاس الفلاسفة العرب المجدّدون، قضى على النهج الصحيح المعتمد، كما قضى على نمط تفكير تنويري مثل الذين سبقوهم  من فلاسفة  في الأندلس !! حتى انه  في بعض الأحيان كان  يحدوهم الأمل في تشبيه الهجرة التي قام بها الأوروبيون للعالم الجديد بسبب القهر الديني،  هي مثيلة للنهضة الدينية التي قام بها فلاسفة العرب بالأندلس بعد ان تَرَكوا ديارهم في المشرق، ( لو كتب لها النجاح )

وزيادة في التشبيه، ذكر فلاسفة الغرب ان ممارسة  الكنيسة على رعاياها في  أوروبا،  يساعدهم في الاذلال الدنيوي وعذاب المحاكم الملوك والامراء في ذاك الزمن، كان يشبه البطش الذي مارسته الخلافة العباسية على الرعايا، يضاف اليه الانحطاط الاخلاقي والديني في البلاط الأموي، الذي أدى الى   هجرة العرب المسلمون الى الأندلس،  وقد ظهرت جماعة لا يستهان بها من الفلاسفة العرب المسلمون في حواضر الأندلس الراقية، الذين حاولوا التجديد ولكن حركتهم أجهضت وبقي الدين دون بريق من أمل يرتجى، لأنهم سعوا وكافحوا ولم يفلحوا في تطبيق المقولة الشهيرة عن احد فلاسفة العرب الذي قال يوما ( ان الدين الاسلامي يحتاج كل مائة عام الى من يقوم بالتجديد ) !!

وهذا للأسف لم يحدث، وها نحن ننتظر من يدّق على  الأبواب !! 

أعداد
 فيصل المصري
اورلاندوا / فلوريدا ( تشرين اول ٢٠١٤ )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق