حفظ الإخوان صفه من صفات المؤمِن فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف طيَّب الله ثراه.
مواليد العام ١٨٩٨م
وفاته ٢ تشرين أول ١٩٩٣م.
رحمه الله واطال الله في عمر خليفته الشيخ موفق طريف.
خير خلف لخير سلف.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
عبارة " الساكت عن الحق شيطان أخرس " نسمعها كثيراً، بل بعضهم ينسبها إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلَّم على أنَّها حديث نبوي شريف.
هذه العبارة، هي بوصلة مُدوِّناتي عندما أكتُب عن الموحِّدين الدروز في الجليل والكرمل ( فلسطين ) ليس من باب الجرأة بقدر ما هي لن أسكت عن الحقيقة، وبالتالي سأفتح الباب على مصراعيه على الذين سكتوا عن الحق وكتبوا الباطل وهم في الأرض شياطين يسرحون ويختبئون تحت عباءة الوطنية الخائبة والزائفة.
لقد تفرَّغت لأكشف زيف الافتراءات التي طاولت وتطاول فئة :
تدين بالعروبة أصلاً وفصلاً وَنسبَاً وولاءً.
وتدين بالتوحيد مذهباً.
وترتبط بالأرض مسكناً وإقامةً ودفاعاً حتى الرمق الأخير.
وتتهيَّب للعرض فِدَاءً.
وتتخِّذ من التقيَّة مسلكاً.
هذه الفئة هي المُوحِّدون الدروز في بلاد الشام، وبالأخص دروز الجليل والكرمل الذين أطلقت عليهم الأشاوس لأنَّهم يهبون لنجدتنا فِي كُل مِحنَّة تهدد مصيرنا فِي دولنا.
وكما قالت إحدى القارئات الراقيات المُثَقَّفات مِن لبنان عن مُدوِّناتي بأنَّها الْمُدوِّنات الفيصليَّة فإنِّي أُعتبر مُدوِّنتي عن فضيلة الشيخ أمين طريف هذه، الدُرَّة المُتلألئة في تاج مُدوِّناتي الفيصليَّة.
فِي المُدوَّنة :
دائما كانت تجذبني شخصيَّة الشيخ أمين طريف السياسيَّة والدينيَّة الروحية، لأَنِّي قرأت ما كتبه عنه بعض رؤساء الدول الغربيَّّة الذين التقوا به.
وكنت إذا قارنتها بما كتبه، ويكتبه أزلام حزب الملامَة والندامَة العربي، ترتعِّد فرائصي وأستشيط غضباً، لأنَّ شخصيَّات هذه الفئة من القوم، مُنذ الحاكم بأمر الله كانت عُرضَة للأكاذيب، والافتراءات بالرغم من تصحيحات مؤرخي الطبقة الرفيعة من العرب القدامى كإبن خلدون والمقريزي وغيرهم، وقد بَقِيَت هذه الزُمرَة من حُثالة الكُتَّاب العرب على غيِّها وحقارتها في الكذب والتدجيل لأن الأجواء العربيَّة بعد نكبة فلسطين كانت تتطلَّب كبش فِدَاء، وأبرياء على مذبح فلسطين.
الشيخ أمين طريف هذا شأنه مع حُثالَّة من قام بتغطية نكبة فلسطين، ذنبه أنه حافظ على الأرض والعرض، وبقيت عقيدته حتى الرمق الأخير حفظ الإخوان في بلاد الشام.
مُدوَّنتي هذه عن فضيلة الشيخ الفاضل المرحوم أمين طريف طَيَّب الله ذِكراه وثراه، الذي طالته سِهام حاقدة خبيثة وظالمة.
هو الشيخ أمين طريف، مُوحِّد درزي من فلسطين وصل إلى سُدرَّة منتهى التقوَّى والإيمان والورَع مُتوَّجاً بالعمامة البيضاء المكولسَة، وأصبح شيخاً معترفاً به، وله الأمر والسيادة بعد أن قام الشيخ أبو حسين محمود فرج في عام ١٩٣١م. بإلباسه العمامة المكولسَة.
هو رجل دنيا، حافظ على أهله وجماعته في مُنعطفات التاريخ الخطيرة التي عصفَّت في موطنه فلسطين.
هو مرجعية بين أهله في الْمُلِمَّات.
لم يتأخر أو يتوانى الشيخ أمين طريف في أن يطلب المشورة من مرجعيات خارج موطنه عندما يكون الخطر داهماً أو مصيرياً كما فعل في ١٥ / ٦ / ١٩٤٨ عندما سافر بصفته شيخ عقل طائفة الموحدِّين الدروز في فلسطين إلى سوريا مع وفد من المشايخ، لمقابلة عطوفة الغضنفر سلطان باشا الاطرش في بلدته القريَّا للاستئناس برأيه وأخذ مشورته في مسألة إخلاء القرى الدرزيَّة والنزوح إلى سوريا، لأن اليهود سيعملون على إبادة السكان.
أجاب سلطان باشا الاطرش الوفد الدرزي الفلسطيني :
( إيَّاكم ثم إيَّاكم ترك قراكم، لأنَّ غيركم باع واشترى، أما أنتم فما بعتم ولا اشتريتم، فعليكم الصمود في أرضكم والمحافظة على أرضكم وعرضكم، وإذا ما نزحتم إلينا فلن نقبلكم أبداً )
وأطاع الوفد مشورة الغضنفر سلطان باشا الاطرش.
هذا هو الشيخ أمين طريف الذي أثبتت الأيام أنَّه حافظ على الأرض والعرض وغيره باع واشترى، وبالرغم من ذلك تعرَّض للانتقاد في وطنيته وعروبته.
معلومات شخصيَّة :
من مواليد العام ١٨٩٨م.
في بلدة جولس ..
وفاته في ٢ تشرين الاول من العام ١٩٩٣م.
ولد الشيخ أمين طريف لعائله متديِّنة في قرية جولس في الجليل الغربي في فلسطين.
في سنة ١٩١١م. توجه الشيخ أمين طريف إلى خلوات البيَّاضة في لبنان للدراسة والتعمُّق في الأسس الدينيَّة وللتعبُّد والتصوُّف.
في سنة ١٩١٨م. رجع الشيخ أمين طريف من خلوات البيَّاضة، بعد أن ختم دراساته الدينيَّة إلى قريته جولس، وتبنى حياة الزهد والورع والسير طبقاً لشروحات الأمير السيد عبدالله التَّنوخي.
في يوم وفاة الشيخ الجليل الفاضل أمين طريف جرى تعطيل المدارس والمؤسسات الرسمية لمدة يومين، وأعلنت حكومة إسرائيل أنَّ مراسم الدفن سوف تتم وفقاً لمراسيم دفن رؤساء الدول.
في شهر تشرين الثاني من العام ١٩٩٣ أُقيم في مقام الأمير السيد عبد الله التنوخي في عبيه / لبنان، موقف حاشد لذكرى المرحوم الشيخ أمين طريف، شارك فيه كبار مشايخ الدين في لبنان.
كذلك أقيم في جبل العرب في سوريا موقف مُماثل مُهيب، حيث تمَّ إحياء ذكرى فضيلة الشيخ أمين طريف.
أهم المحطات التاريخيَّة في حياة الشيخ الفاضل أمين طريف.
منذ أن تولَّى فضيلة الشيخ أمين طريف الرئاسة الروحيَّة لطائفة الموحِّدين الدروز في ٢١ اذار ١٩٢٨م. وضع لنفسه برنامجاً إرشادياً وحركة توعية لأبناء الطائفة في فلسطين، حيث إتفق مع عدد من مشايخ الدين على القيام بجولات تضم جميع القرى العربيَّة الدرزيَّة.
كان الهدف من هذه الجولات الدينيَّة، الوعظ والإرشاد، وتنشيط حركة الدين بين أبناء الطائفة.
في سنة ١٩٤٦م. ترأس فضيلة الشيخ أمين طريف الوفد العربي الدرزي العام، الذي ضمَّ شخصيَّات من سوريا ولبنان وفلسطين، الذي سعى للصلح بين الشعبية، والطرشان في جبل الدروز ( سوريا ).
ومن أهم إنجازات الشيخ أمين طريف، ترميم وتصليح المقامات الدينيَّة المقدسَّة للطائفة في فلسطين، وأوَّلها مقام النبي شعيب في حطين ومقام الخضر في كفرياسيف ومقام سبلان في حرفيش.
للشيخ أمين طريف الفضل في تنظيم الأحوال الشخصيَّة لطائفة المُوحِّدين الدروز في فلسطين، حيث تبنَّى بالعام ١٩٦١م. قانون الأحوال الشخصيَّة لطائفة الموحِّدين الدروز في لبنان.
وفي سنة ١٩٦٢م. صادقت الهيئة التشريعيه في اسرائيل على قانون المحاكم الدينيَّة العربيَّة الدرزيَّة، وبذلك أصبحت طائفة الموحِّدين العرب الدروز طائفة مستقلة، كباقي الطوائف في البلاد.
في سنة ١٩٦٣م. تمَّ تعيين محكمة الاستئناف العربيَّة الدرزيَّة برئاسة فضيلة الشيخ أمين طريف، وعضوية القاضيين أعضاء الرئاسة الروحية المرحوم الشيخ أبو كمال أحمد يوسف خير من أبوسنان والمرحوم الشيخ أبو محمد كمال معدي من يركا.
في ٢٥ نيسان ١٩٦٤م. استطاع فضيلة الشيخ أمين طريف من تثبيت ملكية الطائفة الدرزيَّة لمقام النبي شعيب في حطين، وهذا بنظري إنجاز كبير لأَنِّي شخصياً إطلعت على سير هذه القضية العقاريَّة الكبرى في المحاكم، والنزاعات الشاقة والمُضنية مع الأوقاف الإسلاميَّة على ملكية الأرض والمقام.
حتى أنَّ سلطان باشا الاطرش تدخَّل في وقتٍ من الأوقات مع مفتي فلسطين آنذاك، بصفته مسؤولاً عن الأوقاف الإسلاميَّة، لأنَّ الخلاف كان لسنين عديدة منذ الحقير صلاح الدين الأيوبي. ( يراجع مُدونَّتي عن المقام )
في سنة ١٩٨٢م. جدَّد فضيلة الشيخ أمين طريف العلاقات الأخويَّة مع طائفة الموحِّدين الدروز في لبنان، وذلك بتنظيم زيارات عدة نذكر منها :
- الزيارة لمنطقة الشوف ومنطقة الغرب في جبل لبنان بتاريخ ٢٣ تموز ١٩٨٢م.
- الزيارة الى خلوات البيَّاضة بتاريخ ١٥ تشرين اول ١٩٨٢م.
وبالرغم مِن قيام دولة اسرائيل بالعام ١٩٤٨ لم يتوقَّف الشيخ أمين طريف عن متابعة أخبار إخوانه القاطنين في بلاد الشام الأُخرى، حيث قال يومها تصريحه الشهير :
( لا يمكن أن نتخلَّى عن أبناء طائفتنا أينما كانوا، ولا يمكن أن تفصلنا الحدود ولا تُعيقنا القيود ).
في سنة ١٩٥٩م. هبَّ الشيخ أمين طريف على رأس الطائفه الدرزيَّة في فلسطين، معلنين تضامنهم مع الأهل في جبل العرب ضد ممارسات أديب الشيشكلي، مُعلناً وقوف دروز فلسطين مع سلطان باشا الاطرش.
أما خبر مقتل الزعيم الدرزي اللبناني كمال جنبلاط ( سنة ١٩٧٧م. ) أثار استياء دروز فلسطين، وعلى رأسهم الشيخ أمين طريف.
حتى أن المرحوم كمال جنبلاط ذكر الشيخ أمين طريف في كتابه "هذه وصيتي" حيث قال :
وللأسف فإننا لم نعُد نتصِّل بالثلاثين الف درزي في اسرائيل منذ زمن بعيد، أمَّا في الماضي أي عندما كانت فلسطين، فإنهم كثيراً ما كانوا يقدمون إلى المختارة، إنهم بعيدون عنَّا الآن، ولكن لديهم رئيس روحي رفيع يقودهم، وهو لا يزال على الرغم من سنه أُمثولة في الحكمَة والتعقُّل.
وتأكيدا للعلاقات الأخوية والصادقه، ترأس فضيلته سنة ١٩٧٧م. حفل تأبيني للشهيد كمال جنبلاط في مقام النبي شعيب شارك فيه أبناء الطائفه الدرزيَّة في الجليل والكرمل.
وبالرغم من كل الاكاذيب والافتراءات التي طالت الموحِّدين الدروز في الجليل والكرمل وعلى رأسهم القيادات الروحيَّة منذ الشيخ أمين طريف وحتى تاريخه.
يبقى دروز سوريا ولبنان والأردن والجليل والكرمل :
- الفرح لديهم واحد ..
- والألم لديهم واحد ..
- والحزن لديهم واحد ..
- والمصير لديهم واحد ..
- والعقيدة لديهم ذاتها ..
لأنهم جسم واحد ..
شاء من شاء ..
وأبى من أبى ..
وإنَّ حفظ الأخوان عند أهلنا الأشاوس في الجليل والكرمل عقيدة وإيمان، لا بل ممارسة دفاعية فِي المُلمَّات الصعبة التي ما زالت تلحق بدروز سوريا ولبنان حتى تاريخه.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٦ نيسان ٢٠٢٥م