المكتبة الوطنية في بعقلين.
صرح ثقافي وحضاري.
قلَّ مثيله في لبنان.
المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :
تعريف المكتبة الوطنية.
المكتبة الوطنية هي مكتبة تُنشئها الدولة خصيصاً كمركز معلومات للوطن، حيث تقوم بجمع وحفظ التراث الفكري الوطني والإعلام عنه، ويتم الجمع من خلال قانون الإيداع القانوني، الذي يلزم المؤلف أو الناشر أو المطبعة بإيداع خمس نسخ أو أكثر من المطبوع أو المنشور في المكتبة الوطنية مجاناً، وضمن شروط معينة ليأخذ بعد ذلك رقماً للإيداع.
تحتوي المكتبة الوطنية المخطوطات والكُتُّب القيمة والنادرة والأعمال الهامة، فضلا عن أحدث المنشورات.
ومِن أهم المكتبات الوطنية في العالم :
مكتبة الكونغرس فِي واشنطن ( الولايات المتحدة الاميركية ).
مكتبة لينين فِي موسكو ( روسيا ).
مكتبات رؤساء الولايات المتحدة الأميركيَّة السابقين.
ومن باب الحِّس الوطني، والشعور بالانتماء لوطني لبنان ولجذوري وأصولي العائلية الغارسة في قلب الوطن، أرجو أن تصبح المكتبة الوطنية اللبنانية في موقعها الجديد ( كلية الحقوق في منطقة الصنائع حيث نلت شهادة الحقوق ) من أهَّم المكتبات العالمية لتضاهي مكتبة الكونغرس ومكتبة لينين وغيرهما.
فِي المُدوَّنة، المكتبة الوطنية في بعقلين.
إذا أخذنا بالتعريف العام لمهام المكتبة الوطنية، نرى أنَّ مكتبة بعقلين الوطنية وبدعم مُستمِّر ودائم مِن مؤسسها ( الزعيم اللبناني وليد جنبلاط ) والمجهود المشكور مِن إدارتها ومديرها ( الأستاذ غازي صعب ) وكوكبة من الموظفين الإداريين الأكفاء، وبتشجيع من وزارة الثقافة اللبنانية، لا أستبعد أن تُماثل أو تقتدي أو تحاكي المكتبة الوطنية في بعقلين سائر المكتبات الوطنية في العالم العربي، لاستحواذها على الخصائص والمضمون، وبذلك تبقى للأجيال الحالية والقادمة صرحاً ثقافياً حضارياً بمواصفات المكتبات الوطنية العالميَّة.
نظرة تاريخيَّة في أهَّم المكتبات.
كانت شعوب الأرض حتى قبل الأديان السماويَّة تفتخر بأنَّها أقامت المكتبات وجمعت تراثها وحضارة من سبقها مِن أُمَم، وخير مثال مكتبة الإسكندرية التي جمعت دُرَرْ الإغريق والرومان وغيرهما.
ولا ننسى مآثر مكتبات بابل، وبلاد ما بين النهرين التي جمعها حمورابي في ألواحه، ودوَّنها أحبار اليهود مع تعديلات في قصص أنبيائهم.
أما الْعَجَّب في عجائب الدنيا من المكتبات العامة، تأتيك في العام ٣٩٥ هجرية أو ١٠٠٥ ميلادية حيث يقول المؤرخ العربي إبن أبي طَي أنَّ مكتبة دار الحكمة التي أنشأها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة، تُعتبر من عجائب الدنيا، لانها احتوت كما جاء في مجلد ( حدث إسلامي ) على كُتُّب لم يكن لها مثيل حتى في مكتبة بغداد، أو قرطبة الأندلسية.
وقد تشبَّه رؤساء الولايات المتحدة الأميركيَّة وغيرهم من رجالات عظام بتخليد ذكراهم عن طريق إنشاء مكتبة ضخمة تحمل اسمهم.
وبذلك يُمكن إعتبار الزعيم اللبناني وليد جنبلاط من القلائل الذين تشبَّهوا بالكرام مِن شخصيات وأعلام تاريخيَّة، لأنَّه اقتدى أثرهم وصنع صنيعهم وحاكاهم في إنشاء وتأسيس مكتبة بعقلين الوطنية.
مكتبة بعقلين الوطنية بالوقت الحاضر.
لقد شرَّفني مديرها الأستاذ غازي صعب بالتجوُّل والتجوَّال في رحاب هذا المبني التراثي، حيث جذبني ترتيب وتوضيب الخزائن التي امتلأت رفوفها المفتوحة على كلا الجانبين بالكُتُب النفيسة والقيمَّة لتكون في متناول الجميع، ويستطيع الراغب أن يحصل على الكتاب الذي يريده بنفسه، وإذا صعُب عليه الأمر استعان بأحد الموظفين، وإذا صعُب أيضاً على الموظف إيجاد المطلوب، عاد إلى جهاز الكمبيوتر الذي يختزن اسماء المؤلفين والكُتُّب والمجلدات.
وكما قال المؤرِّخ الصادق ( وهم قلَّة قليلة ) أحمد بن علي المقريزي، أنَّ دار الحكمة في القاهرة لم تُفتح أبوابها لطالبي العلم إلا بعد أن فُرشَّت وزينَّت وزخرفَّت وعلقَّت على جميع أبوابها وممراتها الستائر.
هكذا فعل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط الذي لم يحوِّل هذا المبني التراثي القديم الذي كان يضم سجناً إلى مكتبة وطنية عامرة، إلا بعد ترميم المبنى وتأهيله وتجهيزه من الداخل والخارج، مع شرط المحافظة على الطابع العمراني القديم، حتى يستوعِّب الْكُتُب والمراجع، وهي بغالبيتها مهداة منه.
بناء عليه …
كما هو معلوم أنَّ مكتبة بعقلين الحاليَّة قبل أن تُصبح صرحاً علمياً وثقافياً وأدبياً وحضارياً، كانت مبنى أثري يعود بناؤه للعام ١٨٩٧م. أيام المتصرفية، وكان المبنى يضُّم محكمة مدنية وسجناً ويعرف بسراي بعقلين.
ومِن الأمور التي يجب أن نشهد بها للزعيم وليد جنبلاط أنَّه أعاد الذاكرة الوطنية لسيرة الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير عن طريق إقامة تمثال له في باحة المكتبة الوطنية، لما فيه من دلالات ترمز إلى الشموخ والعِزَّة والكرامة، وبالوقت عينه تصويباً للبوصلة التاريخيَّة التي انحرفت عمداً بإتجاه تذكيرنا بالأمير بشير الشهابي في قصره المُقام في بيت الدين.
افتتاح المكتبة الوطنية في بعقلين :
تمَّ افتتاح المكتبة الوطنية فِي بعقلين يوم ١٣ اذار من العام ١٩٨٧م. وتضم أقسام ( الإدارة الفهرسة والتصنيف والخدمات القرائية والمرجعية والتوثيق والأرشيف والتزويد والاقتناء والكمبيوتر ومكتبة الأطفال واللغة الإنكليزية، وقاعة النشاطات والندوات ومسرح وصالات احتفالات ).
تضم مكتبة بعقلين الوطنية :
- ( ٢٠٠ ألف ) كتاب وموسوعة ومرجع.
- (٢٨٥ ألف ) مطبوعة دورية ورسمية.
- تمَّ إفتتاح المسرح عام ٢٠١٩ ويتسع ( ٣٥٠ ) شخصاً وفق أحدث نُظم المسارح العالميَّة.
تتضمن مكتبة بعقلين الوطنية أيضاً قاعة محاضرات تتسِّع نحو ٢٥٠ شخصاً، وتضم أيضاً عدة قاعات تُستخدم للمعارض وصالة للسينما.
مِن الأمور الملفتة للنظر في مكتبة بعقلين الوطنية أنَّها خلاف المكتبات الوطنية العالميَّة، سمحَّت واتاحت للمواطنين على مستوى كافة الاراضي اللبنانية فرصة الإعارة الخارجية المجانية، وقد بلغ معدَّل إعارة الْكُتُب وفق إحصائية العام ٢٠٢٣ ما بين ٢٥ إلى ٢٨ ألف كتاب سنوياً، وهذا رقم قياسي.
للمكتبة الوطنية في بعقلين أهمية خاصة، لأنَّها في قلب لبنان أي الجبل، الذي ما انفك منذ التاريخ الصحيح غير الكاذب على ضخ الْعِزَّة والكبرياء والعنفوان العربي الأصيل في جسم الوطن، بالاضافة إلى روافد أنهر تنبع من جمهرة أدباء، وشعراء، وَكُتَّاب وخيرة المؤرخين وأمراء البيان.
ولا عجباً أن تصبح مكتبة بعقلين الوطنية، مكتبة لكل لبنان لما تقدمه من خدمات علمية، ثقافية، وأنشطة تربوية، وندوات يشارك فيها الأدباء والشعراء والمؤلفين، والمُبدعين من كل لبنان وبمختلف أطيافه.
أخيراً …
وبعد مطالبات حثيثة مِن المؤسس، وبعد عشر سنوات ( أواخر العام ١٩٩٦ ) أصدر مجلس الوزراء اللبناني قراراً إعتبر فيه المكتبة الوطنية فِي بعقلين تابعة للدولة اللبنانية ولوزارة الثقافة تحديداً، وتعاقدت الوزارة مع الموظفين حينها.
وفي الختام أقول :
من يفتح مدرسةً، يقفل سجناً …
وما أدراك، من يفتح مكتبةً …
إنَّه يقفل كل السجون التي تُغلق بإحكام على العقول المتحجرَّة، ويفتح أبواب الحرية الفكرية للتخلُص مِن التخلف في الأفكار والتزمُّت الديني الذي يضرب الأوطان العربيَّة.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أخر العام ٢٠٢٣