Pages

الخميس، 26 مارس 2020

في ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش

في ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش
٢٦ أذار ١٩٨٢م
٢٦ أذار ٢٠٢٠م

المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :


إذا ما ألقينا نظرة في هذا القرن الجديد على جميع الدول العربية من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر سواء كانت هذه اللفتَّة أو النظرة،  سياسية أو ثقافية أو علمية أو حضارية أو فكريَّة  أو تقدُّم علمي
لا نستغرب  ولا نسأل عن سبب تأخرنا وتشرذمنا وانقسامنا ومماحكات بعضنا البعض لأن :

الإسلام العربي،  وجمهرة  من بعض الفقهاء هم الذين قضوا على الفكر والفلسفة والعلم في الأندلس

الإسلام العربي،  وبعض غلاة الفقهاء  هم الذين نحروا العقل من الوريد إلى الوريد  في مصر بعد خلافة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله

الإسلام العربي مع بعض المُتزمتين هم الذين أوصلونا إلى خواتيم فتاوى إبن تيميَّة التي  يتلظَّى ويكتوي بنارها الجهنمية  الدول العربية اليوم

الإسلام العربي، هو مَنْ غضَّ الطرْف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم  : 
( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ). 


وكما انشغل كهنة القسطنطينية أثناء حصارها (هل الملائكة ذكور أم إناث) ؟
هكذا ينشغل الغباء العربي اليوم ( هل أنت شيعي أم أنت سني ). 
كما انشغل العرب بالماضي  فضاعت الأندلس وفلسطين
وجاء دور القدس والجولان السورية الأن

ويأتيك المتنبي قبل ألف عام عندما قال :
نامَت نواطيرُ مِصرَ عن ثعالِبها *** فقد بَشِمنَ وما تُفنى العناقيدُ
وهذا هو حال العرب والعروبة الأن

بعد هذه هذه المُقدِّمة  نأتي الى قائل 
الدين لله، والوطن للجميع  ). 


في المُدونَّة : سلطان باشا الأطرش  يقف جنباً الى جنب مع عُظماء العالم

تاريخ ولادته : ٥ آذار ١٨٩١م.  
تاريخ وفاته : ٢٦  آذار ١٩٨٢م
قائد جيوش الثورة الوطنية السورية،
كاتب أهم وثيقة في التاريخ العربي الحديث، تتألف من أربعة كلمات :
الدين لله، والوطن للجميع.  

سلطان باشا الاطرش شخصية عربية فذَّة، لم يُنصِفها التاريخ العربي الحديث، بل بقيت صفحة غير مكتوبة من مجلَّد عربي ضخم، يتضَمَّن  قصص عدم الوفاء وما أكثرها.  

في ليالي سوريا المكفهرَّة وعموم البلاد ألعربيه  هذه الأيام، حيث  يُخيِّم الظلام الديني والدنيوي على الأراضي التي تشهد وتسرح  وتمرح في مدنها  وقراها، ودساكرها، جماعات مُسلَّحة  تعيث بطول البلاد وعرضها تخريباً  ونهباً وتدميراً تارةً باسم الدين، وطوْراً  باسم الحُريَّات، فأُستبيحت الحُرُمات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، وطاولت دور العبادة  والمقامات الدينية، واشتعلت الحروب الطائفية والمذهبية دون وازع من ضمير أو أخلاق.  

في هذه الظروف المؤلمة، أتذكَّر سلطان باشا الأطرش كما يتذكر أهالي جبل العرب السوري ( جبل الدروز ) اليوم قائد جيوش الثورة الوطنية السورية، الذي لو جرى تطبيق جزءاً من إعلان  الثورة التي نادى بها والقائلة :

( إلى  السلاح، إلى السلاح ) بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، والمتضمنة مبدأ :
( الدين لله والوطن، للجميع
في الدساتير التي تلت الاستقلال، كانت سوريا  وغيرها من البلاد العربية، قد تجنَّبت هذه الحروب الأهلية الطاحنة.

هذا الإعلان الذي نادى به سلطان الاطرش، يماثل في عنفوانه إعلان الاستقلال الأميركي الذي كتبه
Thomas Jefferson  في وثيقة الاستقلال :
 Declaration of Independence،  في ٤ تموز ١٧٧٦م.
هذا الإعلان، طبَّقته الولايات المتحدة الأميركية، في دستورها الصادر بالعام ١٧٨٧م، حفاظاً  وتكريماً لشهداء استقلال أميركا.

وحتى أكون صادقاً، استأنست في دراستي عن سلطان باشا الاطرش بالمراجع العربية، ولم أجد ما يُشبع نهمي، لأنَّ  بعض المؤرخين العرب الذين كتبوا سيرة هذا البطل، كانوا من المرتزقة المأجورين الذين لم يعطوا هذه الشخصيَّة التاريخية حقها.  

وحتى أصل الى خواتيم بحثي، اعتمدت على المؤرِّخين الفرنسيين والإنكليز أكثر من أقرانهم العرب، نظراً للمصداقية المبنية  على حقائق تاريخية أغفل عن تدوينها مؤرخو تلك الحقبة من العرب، باعتبارهم مأجورين لطمس الحقائق عن هذه الثورة، ومبادئها

في الغرب، لكل ثورة بطلٌ  واحد، يساعده رجالات عظام، فهذا جورج واشنطن بطل الاستقلال وأب الولايات المتحدة الأميركية دون منازع، ومنذ وفاته تعْمَدْ حكومات الولايات المتحدة على تعظيمه، دون إشراك أحد في زعامته المطلقة.

وحتى لا تضيع مبادئ الثورة، جرى تقنينها بمواد مضيئة  بالدستور الذي يُعتمدْ، حتى يجري تطبيقها بعد الثورة، لان الأرواح التي زُهقَّت  والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية، يجب تكريم أرواحهم  وتضحياتهم بمواد تحفظ استمرارية وزخم الثورة.

أمَّا عند المؤرخين العرب، فإنَّ بطل الاستقلال  يعتمد في كل دولة حسب معايير تناسب الحاكم، الذي إستولى على  الحّكْم  بعد الاستقلال.  

من المعايير التي طُبِّقت  في تأريخ  وتدوين الاستقلال عند بعض الدول العربية الآتي :
 -/ إعتماد التوازن الطائفي لتحديد أبطال الاستقلال
 -/  إعتماد المكان الجغرافي لإنتقاء أبطال الاستقلال.  

وبسبب هذه المعايير الفضفاضة في تحديد بطل الاستقلال دون سواه، تضيع المبادئ الحقيقية للثورة التي أعلنها في وقتها القائد او البطل، كما ضاع هذا المبدأ ( الدين لله والوطن للجميع ) الذي أعلنه سلطان باشا الاطرش في الدساتير المتلاحقة والمتعدِّدة في سوريا وحتى في غير بلد عربي.

دائماً  في دراساتي التاريخية لا أعتمد على سرد السيرة الذاتية للشخصية التي أتناولها بقدر ما أهتم  الى أيام معدودات من حياة هذه الشخصية، وعمَّا  إذا كان لها تأثير في مجرى التاريخ، كالأيام القليلة من حياة خالد بن الوليد لمَّا اجتاز الصحراء ما بين العراق وسوريا في خمسة أيام لنجدة جيوش المسلمين في فتح الشام.  
كذلك مسيرة  General  Sherman  التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية الأميركية
كذلك، قيادة  General  Patton لأسرع جيش في العالم في الحرب العالمية الثانية.

من هذا المنطلق يدور بحثي عن بطل الاستقلال في سوريا.  
إنَّه  من دون شك سلطان باشا الاطرش، في إعلانه إلى  السلاح، إلى السلاح بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥ حيث حدد الآتي :

- وحدة البلاد السورية
- قيام حكومة شعبية
- جلاء الجيوش الأجنبية.  
- تأييده مبادئ الثورة الفرنسية.  
- الدين لله، والوطن للجميع.  

يهمني من إعلان سلطان باشا الاطرش هذا المبدأ
الدين لله، والوطن للجميع ..

أنَّه يُشبه إلى  حدٍ  كبير، ما تضمَّنه الدستور الأميركي عن الدين، والذي ما زال من يثيره او يفاخر به الى يومنا هذا على حساب الأديان الأخرى، يُعتبر  جريمة اتحادية، Federal Crime

هذا المبدأ، لو جرى إعتماده، في الدساتير التي تلت الثورة، والتي تغيَّرت وتبدَّلت على مرّ الزمن، كانت سوريا بالذات أنقذتها هذه المادة،  وكان حتماً هذا المبدأ، سيغير مجرى التاريخ.

 -/ بتاريخ ٢٥ أيلول ١٩١٨، لبَّى سلطان الاطرش نداء الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين وقام مع إخوانه المجاهدين باحتلال قلعة بُصرى الشام.  

 -/ وفي نفس السنة من العام ١٩١٨، اشتبك مع الأتراك والألمان في تلال المانع، على مشارف دمشق.

 -/ دخل دمشق في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨مورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وهو أول علم عربي يرفرف في سماء دمشق بعد احتلال دام ٤٠٠ سنة من قبل العثمانيين

يعتبر مؤرخو الغرب أنَّ  سلطان الاطرش هو أول إنسان رفع العلم العربي بعد قرون من الاستعمار، ولم يحظ هذا اليوم بأي قيمة تاريخية حتى في سوريا

 -/ في ٢ تشرين الأول ١٩١٨، دخل الأمير فيصل دمشق، ومنح سلطان الاطرش رتبة عسكرية ( باشا ).

 -/ هبَّ لمساعدة ونجدة الزعيم يوسف العظمة في معركة ميسلون، ولكنه لم يفلح باعتبار أنَّ  المعركة قد حسمت قبل وصوله.

 -/ لم يتمكن من إقناع الملك فيصل بإقامة دولة عربية في سوريا لمقاومة فرنسا، لأنَّ  حسابات الملك فيصل تختلف عن حسابات سلطان باشا الاطرش، وقد غادر الملك  حيفا على متن طراد إنكليزي

 -/ بعد انكسار ثورة شمال سوريا بقيادة ابراهيم هنانو، لجأ هنانو الى سلطان باشا الاطرش، الذي أوصله الى عمَّان

 قصة المجاهد أدهم خنجر :

ثار سلطان باشا الاطرش على فرنسا بنطاق واسع، عندما ألقَّت القوات الفرنسية القبض على ادهم خنجر، ( المُتَّهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو )، عندما كان بضيافته  في بلدته القريَّا

كان سلطان باشا الاطرش وقت إلقاء القبض على أدهم خنجر خارج بلدته، لأنه لو كان في بلدته القريَّا لما تجرأت القوات الفرنسية على هذا التصرُّف

طالب سلطان باشا الاطرش بإطلاق سراح أدهم خنجر، لكن لم يُستجب طلبه، 
فهاجم وإخوانه المجاهدين القوة الفرنسية، ومن هنا بدأت الثورة الأولى بالعام ١٩٢٢.

قاد الثورة الكبرى بالعام ١٩٢٥محيث أعلن شعاره  الشهير الدين لله والوطن للجميع، وتمَّ اختياره قائداً  عاماً لجيوش الثورة الوطنية.

عمَّت الثورة ارجاء الوطن السوري، وامتدت الى البقاع اللبناني، واستولى الثوار على قلعة راشيا

أرسل قائد الثورة السورية رسلاً  الى الملك عبد العزيز آلِ سعود، وإلى الملك فيصل الاول، وإلى مصر وفلسطين للتأكيد على وحدة الكفاح العربي، ووحدة الهدف لمتابعة الثورة

لم يلق الرسل التجاوب، لأنَّ  الحسابات الإقليمية والشخصية تختلف عن حسابات هذا القائد، كما أشار إليها  في إعلانه المحدَدَّة  أهدافه  ومراميه ( الوحدة ... الخ. ) 
كانت نظرته للأمور الوطنية تختلف عمَّا يُخطط لهذه البلاد العربية من تقسيم وتفتيت، وللأسف لم تتوقف المخططات  الموضوعة، والتي ساعد على تنفيذها دون شك بعض من أهل الوطن.

بعد المنفى، عاد سلطان باشا الأطرش إلى سوريا، فاستقبلته دمشق في ١٨ أيار ١٩٣٧ استقبال الأبطال. وأقيمت الحفلات والاستقبالات حيث نال سلطان باشا الأطرش حقه منها

وقد أقامت له الحكومة السورية في مسقط رأسه القريَّا مكتبة ونصب تذكاري.  

أما غير ذلك، لم تنل مبادئ الثورة أي تدوين في الدستور، أو الدساتير اللاحقة، وبذلك ضاعت دعائم بناء الوطن وفق تصوُّر قائد الثورة في غياهب الزمن
لو طبقَّت مبادئ ثورته في الدساتير اللاحقة، ودُوِّنت نظرته الشمولية للأوضاع التي كانت تُهدِّد  الكيان بعد هزيمة السلطنة العثمانية البائدة وسلطة الانتداب الفرنسية، كانت الأمور حتماً خلاف ما هي عليه الآن

إن الفرص التاريخية لا تتكرَّر، كانت البلاد العربية قبل الثورة السورية بقيادة سلطان باشا الاطرش ترزح تحت نير العثمانيين البغيض، الذين وأدوا الحريات طيلة أربعة قرون متتالية، وكانت الشعوب  العربية في ذلك الوقت تطمح الى الحريات ولا تعنيها الخلافة بالمعنى الديني الضيق، الذي كانت تمارسه السلطنة العثمانية، والتي أرخت ظلالاً  من الفساد على جميع المستويات الدينية والدنيوية.

والملاحظ، أنَّ  مؤرخِّي العرب زوَّروا التاريخ  بعد إنهيار السلطنة العثمانية، بأن قالوا أنَّ العرب حينذاك، كانوا توَّاقين الى خلافة إسلامية، وهذا كذب وهراء تاريخي، لان المؤرخين الأجانب قالوا عكس ذلك، كما أوضحت أعلاه
لم تؤخذ مبادئ ثورة سلطان باشا الاطرش
ولم تطبَّق شعاراته التي أطلقها منذ حوالي مئة عام على أي دستور من الدساتير التي فُرضَّت على سوريا وغير سوريا من البلاد العربية.

اليوم وبعد حوالي ١٠٠ عام، ما زلنا  نرزح تحت ثقل المؤامرات، والتي كانت تُحاك سِراً  لإخفاء  الصبغة  المذهبية في الدين الواحد، وأصبحت الحرب اليوم علناً وجِهاراً بين السنة والشيعة العرب، واستفاقت بعد ١٤ قرناً على حرب ضروس، تدور رُحاها في العراق وسوريا

وأنهي بحثي بالقول، توماس جفرسون مات ولكن وثيقته لم تمت
سلطان باشا الاطرش مات، ولكن للأسف وثيقته ضاعت، وهذا ما تشهده سوريا من فصول الضياع التي لم ولن تنتهي.    


فيصل المصري
أُورلاندو  / فلوريدا
٢٦ أذار٢٠٢٠م

المرجع :
المُدونَّات الفيصليَّة 
كتاب ( الموحِّدون الدروز عبر التاريخ )
الطبعة الأولى : حزيران ٢٠١٨م

بيروت / لبنان