الثورات التي غيرَّت مجرى التاريخ.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
لم يذكر التاريخ في مجلداته ثورة سلمية واحدة غيرَّت مجرى التاريخ إلَّا الثورة التي قادها المهاتما غاندي بين عامي 1930-1931.
قاد المهاتما غاندي حركة عصيان مدني واسعة النطاق ضد البريطانيين في الهند، بدأها بإقناع أتباعه بضرورة التوقف عن دفع ضريبة الملح وشراء الملابس والمشروبات، وهي التجارة التي كان يهيمن عليها التاج البريطاني آنذاك.
كانت تلك خطوة أولى في مسيرة طويلة وناجحة من الحراك الشعبي الهندي من أجل الاستقلال.
في كتابه ( أشهر الثورات في التاريخ ) من تأليف صلاح الإمام تناول الكاتب أشهر الثورات تأثيرا في التاريخ التي وصلت إلى تحقيق هدفها بالتغيير وانتقال السلطة من الطبقة الحاكمة الفاسدة إلى طبقة الثوار.
في هذه المُدونَّة سأذكر بعض هذه الثورات الأجنبية التي غيرَّت مجرى التاريخ.
هذا لا يعني أنَّ العرب لم يُشعلوا ثورات مجيدة ناجحة غيرَّت مجرى التاريخ، ألا أنَّه تمَّت سرقتها من صغار الطغاة كالثورة العربية (1925-1916) كمًا سيأتي بيانه.
في المُدونَّة :
يُعتبر كتاب ( الأمير ) للإيطالي نيكولا ميكافيلي الكتاب الديني للطغاة بإعتبارهم أبعد خلق الله عن الْكُتُب السماويَّة.
ولد هذ الفيلسوف والسياسي الإيطالي في مدينة فلورنسا عام ١٤٦٩م. ومات سنة ١٥٢٧م. أي عاش قبل عصر النهضة، ويُعدّ مؤسِّس ما بات يُعرف في العصر الحديث النّفعيّة والواقعيّة السّياسيّة.
يُعتبر ميكافيلي نبي الطغاة وكتابه ( الأمير ) فيه طقوس وتعاليم الإرهاب والتخويف والهوان والأشد مضاضة الاحتقار الذي يطبَّق وينفذ في الشعوب التي يحكمها الطغاة.
كان «موسوليني» لا ينام حتى يقرأ كتاب الأمير لـ «ماكيافيلي».
وقيل إنَّ نابليون بونابرت وأدولف هتلر كانا يتَّخذانه مرجعاً لسياساتهم.
الكتاب يُقدِّم نظريات في الحكم ويجيب على أسئلة لطالما شغلت بال الحُكَّام والأُمراء، مثلاً :
كيف تُحْكَمُ البلاد ؟
كيف تحصل على السلطة ؟
وكيف يملك الزعيم شعبه ؟
كيف يقهر الحاكم شعبه ويمعن في إذلاله وغدره وسرقته وخداعه.
والأهم من ذلك :
الدين ضروري للحكومات لا من أجل الفضيلة، لكن لفرض السيطرة على الناس.
كثيراً ما يُردّد الناس عبارة ( الغاية تُبرّر أو تُسوّغ الوسيلة ) قالها ميكافيلي.
ما يزال كتابه ( الأمير ) أحد أهم الْكُتُب في العصر الحديث حيث يسرح ويمرح صغار الطغاة في تطبيقه على شعوبهم المغلوب على أمرها.
من التعاليم التي يأخذ بها من هم في السلطة إستغلال حياة الخنوع لشعوبهم الذين ألِفوا الطَّاعة المطلقة العمياء وأصبحوا عاجزين عن أن يتّفقوا على اختيار حاكم من بين صفوفهم، فضلاً عن أنَّهم لا يعرفون العيش تحت راية الحريَّة.
يُعتبر كتاب ميكافيلي مضرب المثل للمتسلّقين والأنذال ومن أهمّ الْكُتُب للذي يوَّد فهم عالم السياسة وكيف يفكِّر الذين هم في سدّة الحكم.
يقول علماء الأخلاق في فرنسا وبريطانيا إنَّ كتاب الأمير هو كتاب لا يناسب إلَّا الطّغاة الأشرار من الحكام الفاسدين الأنذال والمتسلقين للسلطة وصولاً الى سدَّة الحكم.
شخصياً أعتبر أنَّ الشعوب التي إعتادت حياة الخنوع والتي تسعى إلى تقوية زعيم أو حاكم فاسد بالطاعة العمياء إنَّهم بذلك يحكمون على أنفسهم بخراب حياتهم ودمار مستقبل أبنائهم من بعدهم.
وأُضيف إذا كان شعب دولة ما مُعتاد على حياة الخنوع في ظل حاكم فاسد ولَم يتفق على إختيار نظام أو حاكم جديد من بين صفوفهم عن طريق انتخابات بلدية أو نيابية، هذا دليل واضح أنّهم لا يعرفون العيش تحت راية الحريّة، ولذا فهم بطيئون في العصيان أو ما يسمي حديثاً بالحراك المدني السلمي وبالتالي سيوطِّد الحاكم الفاسد حكمه وإزدائه لشعبه.
وكان جالساً والنيران تتصاعد والأجساد تحترق وسط صراخ الضحايا فوق برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
ومن باب التذكير الذي قد يُفيد، أقول :
بعد زوال الإمبراطورية العثمانية الفاسدة في أوائل القرن المنصرم لم تغِّب شمس الذِّل والهوان عن العرب إلا بعد قيام الثورة العربية التي قادها سلطان الاطرش من جبلٍ كان يعرف ( بجبل الدروز ) في محافظة السويداء ومن بلدة القريَّا من الجمهورية السورية الحالية.
يذكر التاريخ بكل أسف أنَّ هذه الثورة لم تُحدث تغييراً مستداماً في بلاد العرب لأنَّه تمَّت سرقتها لاحقاً من قبل متسلقي السلطة، والمشهد العربي اليوم يوحي بصدق ما أقول خاصة إذا ما راجعنا مبادئ هذه الثورة.
( يراجع بذلك مُدونَّتي عن قائد هذه الثورة العربية الوحيدة سلطان باشا الاطرش،
من كتاب المُوحِّدون الدروز عبر التاريخ لصاحب المُدونَّات الفيصليَّة طبعة أولى حزيران ٢٠١٨م. بيروت / لبنان ).
هذا لا يعني أنَّ الطغاة في التاريخ لم يتجرعوا كأس الموت على يد أبطال شجعان.
( يراجع بذلك مدونتي عن البطل نوَّاف غزالي من محافظة السويداء في جبل العرب / سوريا الذي لحق الطاغية أديب الشيشكلي وهو مُختبئ كالفأر في البرازيل فأدخله حشراً في مزبلة التاريخ بعد أن واجهه وجهاً لوجه كالفارس المغوار الذي لا يرضى إلا المواجهة عن قوة بدل الإجهاز خلسة أو غدراً من الخلف ).
كذلك لم تقبل بعض الشخصيات التاريخية الإذلال والمهانة التي يتعمَّد الطغاة ممارستها وفقاً لطقوس ميكيافيلي خاصة العسكر أفراداً وجماعات كالجيش.
لذلك ترى إنقلاباً عسكرياً حدث رفضاً للإحتقار، والتاريخ يشهد الكثير من عدم قبول الضيم والازدراء.
الإستبلشمانت السياسيَّة الاميركية تُراعي دائما هيبة جنرالات الجيش الاميركي لا بل لا تستفزهم أو تحتقرهم، وقد سجل التاريخ العسكري الاميركي حادثتين جرى فيهما محاولة إحتقار أو إزدراء من قبل السلطة السياسيَّة الحاكمة أذكرهما فقط للمقارنة مع ما يجري في بلاد العرب.
أوَّلها، عندما إحتَّل الجنرال الاميركي العبقري جورج باتون ( خريج الأكاديمية العسكرية الأشهر في العالم ويست بوينت ) شمال أفريقيا بالحرب العالمية الثانية أرسلت القيادة العسكرية للحلفاء بطلب من الكونغرس في واشنطن مفتشاً للنظر في مخالفات الجنرال باتون وعدم تقيده بالأوامر العسكرية التي بنظره تعيق تقدمه في أفريقيا.
لَمَّا وصل المفتش ( الكولونيل عمر برادلي الذي اصبح فيما بعد الجنرال الاميركي الذي إجتاح شواطئ النورماندي بفرنسا )، إستدعى الجنرال باتون عن سابق تصوِّر وتصميم أحد مساعديه وطلب إليه وبحضور المفتش العسكري أن يقوم بتعليق النجمة الثالثة التي إقترح الرئيس فرنكلين روزفيلت ترقيته بعد أخذ موافقة الكونغرس الاميركي.
تعجَّب المفتش العسكري من هذا التسرُّع والتصرُّف الأرعن وأبدى إستياءً وأستهجاناً لأن الكونغرس لم يعطِ موافقته بعد.
أجابه الجنرال باتون :
للكنغرس طريقته ووقته في الموافقة.
ولي طريقة خاصة بي لأضع النجمة الثالثة.
هذا جنرال من جنرالات الوغى.
لله درَّك يا من لا تقبل الضيم والازرداء.
الثانية، عندما فاز بطل الحرب العالمية الثانية الجنرال داويت أيزنهاور بالانتخابات الرئاسية خلفاً للرئيس ترومان الذي أذاق أيزنهاور المهانة تلو الاخرى، لم ينسَى أيزنهاور أن يرد الصاع صاعين ل ترومان. تركه إلى يوم التسلُّم والتسليم حيث يقضي البروتوكول الرئاسي أنَ يزور أيزنهاور البيت الأبيض ليصطحب ترومان إلى مكان الإحتفال.
رفض أيزنهاور الدخول إلى البيت الأبيض، وطلب من التشريفات أن يأتي ترومان إلى سيارة الرئاسة التي تقِّل أيزنهاور.
لم يتكلَّم الرئيسان خلال مرورهما في شارع بنسلفانيا إلى مكان الاحتفال طيلة ٩ دقائق الوقت الذي إستغرقه الموكب وصولاً إلى منصة الاحتفال.
هذا جنرال.
وهذه هي كرامة الانسان.
وهذه هي التربية العسكرية.
الثورة الأمريكية
(1775-1783) غيرَّت مجرى التاريخ.
من أسبابها …
السياسة الاقتصادية التي اتبعتها إنجلترا في المستعمرات ( العالم الجديد ) وكانت تقضي بنقل كافة الصادرات من المستعمرات إلى إنجلترا على سفن يملكها إنجليز، ويتولى تشغيلها إنجليز.
فرض ضرائب جديدة على سكان المستعمرات.
الجنرال جورج واشنطن يعتبر أب أستقلال الولايات المتحدة الاميركية عن الإمبراطوريَّة الإنكليزية، وأول رئيس لامريكا.
هذا جنرال …
وهذا شعب …
الثورة الفرنسية
1789-1799
الثورة الفرنسية هي انقلاب سياسى وثورة شعبية بدأت منذ عام 1789م بل هي أول ثورة ليبرالية في التاريخ.
ذكر المؤرخين واتفقوا على أنها جاءت نتيجة للحروب المتصلة التي عرفتها أوروبا منذ القرن الثاني عشر الميلادى.
كانت فرنسا تتألف من طبقة النبلاء ( من البلاط والكنيسة ) والتي تنعم بالإمتيازات والإعفاء الضريبي، وطبقة الشعب من الفقراء المعدمين.
الامر المهم الذي ساعد على نجاح الثورة المستوى الثقافى قبل الثورة، من أهم المفكرين أمثال لوك وليبنتز وفولتير وروسو.
ويضاف من أسباب الثورة كره الشعب لزوجة الملك لويس السادس عشر.
وإرتفاع أسعار الخبز ومعاناة الشعب وأحزانه.
بدء النزاع المسلح واقتحام سجن الباستيل، والجمعية الوطنية ( الجمعية التشريعية ).
هذا شعب لم يقبل الضيم.
وإقتحم الباستيل رمز عبودية الانسان.
وإقتحم البرلمان رمز التشريع الجائر.
الثورة العربية
(1925-1916)
بدات الشرارة الاولى للثورة العربية في مكة يوم 10 يونيو 1916، بأن قام عدد من جنود الشريف حسين بمهاجمة القشلة العسكرية في جرول قبيل الفجر.
أمَّا الثورة بنيرانها وحممها خرجت من جبل الدروز ( سورياً اليوم )
( يراجع كتاب المُوحِّدون الدروز عبر التاريخ لصاحب المُدونَّات الفيصليَّة طبعة أولى حزيران ٢٠١٨م. بيروت / لبنان ).
الخاتمة :
لم أقصد بهذه المُدونَّة إلا إظهار واقع الحال.
مع وصف واضح وجلي للذي يجري في لبنان.
وما زلت أردد …
وإذا كان الكلام من فضَّة فالسكوت من ذهب.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا